أوهام السلوان في تصوف الوسنان
صفحة 1 من اصل 1
أوهام السلوان في تصوف الوسنان
أوهام السلوان في تصوف الوسنان
*نصر الدين الرصاص
*نصر الدين الرصاص
يتعلل المحبون في فراق أحبابهم بأسباب السلو، وربّ محب ييمم حبه شطر محبوب موهوم، ويسلك إليه السبل، وذلك المحبوب لا يبالي به ولا يُطْرِفُه بالوصائل، وهو في ذلك يسلو بأوهام عن محب اتفقت الشرائع على محبته وتعظيمه وصرف القلوب إليه، وهو محبوب لجماله وجلاله وكماله، أدلَّ بأسباب محبته على عباده، وجاز الوصل بأضعافه ( من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة).
فمن غفل أو تغافل عن ابتغاء الوسيلة إليه فقد وهم في طلب الوصل، ودخل وهمه فهمه فيما يسلو به
نزه فؤادك عن سوانا تلقنا فجنابنا حل لكل منزه
والصبر طلسم لكنز وصالنا من حاز ذا الطلسم فاز بكنزه
لا تخش من بدع لهم وحوادث ما دمت في كنف الكتاب وحرزه
وفي هذه السطور نَمحَضُ الود والنصيحة لمحب مكدود، فنكشف له ما غاب عنه من وصائل اللطيف الودود، فإنه في بعض سلوه مبرسم مصدود، وعن لطائف الوصل غافل وإن كان من الشهود... والظن أن نزق المحاقة يورث الصدود ويقودنا إلى طريق مسدود، فلا تُعنت قلبك بتصور الردود، ولكن جوِّل الفكر واشفعه بالتحقق من الورود، فليس كل تصوف مردود
أهل التصوف هم أهلي ونبلي وإنما أعني بهم من كان قبلي
وإذا كان الشروع في بيان المقصود، فانظر إلى وصائل الرحيم الودود،ثم إلى ما سلوت به عن الصمد المعبود.
فمن وصائل اللطيف الودود:
- أن بيَّن الوسائل الشرعية الموجبة للوصائل اللدنية، فكيف تسلو بالوسائط الشركية فتنقطع عن مناجات رب البرية.
- وكيف يقف وصلك عند الاستغاثة بميت من نبي أو ولي، فتكون منبتاً، ويعجز عقلك وفطرتك عن معرفة أن المولى ذكر في كتابه ما يقرر الوسيلة الموصلة إليه وأنه قريب مجيب ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )) [البقرة:186] فدعاؤك ذاك النبي أو الولي لا يجاوز رأسك، ولكن (( وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )) [فاطر:10] فهلاَّ سلكت سبل صالحي الجن في ابتغاء الوسيلة ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً )) [الإسراء:57].
فمن هو أقرب: من تسلى بالنذور للقبور والطواف والعثور، ودعا من لا يسمع الدعاء، أم من اعتصم بالأسباب الموصلة، ولم يقنع بدلائل الحب الموهومة، بل آثر الاتباع على الابتداع والتورع على الاتساع ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ )) [آل عمران:31].
ومن وصائل اللطيف الودود:
- أن بين خطة يسر الشريعة وسبل الإيغال المبلِّغة الرفيقة، فسلوت بأوهات مكابدة الطريقة، وشرعة الملل العتيقة.
- فكيف سلوت بأوراد وأذكار وأدعية بدعية وأعرضت عن سنة أبي القاسم أولى الناس بالرعية، فهل غفلت عن قوله تعالى: (( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ))[الأحزاب:6] وهل ظننت حيفاً أو ظننت وصلاً فاق وصل النبي أو أصحابه ومن تبعهم من أهل القرون ذوي الخيرية.
- وهل خطر ببالك أو تنامى إلى سماعك أنك في بعض مكابدتك وعنتك وافقت الآصار والأغلال التي أدلَّ المولى الكريم برفعها عن هذه الأمة الوسطية، وأنك في ذلك لا تظفر بموعود أهل الصوامع والبيع، ولا تسلم في هذه الملة فيما أتيت من البدع... وأصدق مثل وإن كنت أجل كطائر الحجل أراد أن يحاكي مشية الصقر فلم يستطع، فأراد أن يرجع إلى عادته... فلم يستطع.
فاحذر أخا الزهادة والعبادة! أن يطول الأمد فتسلو بأثقال الملل المحبطة عن يسر الملة الحنيفية السمحة ((يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ )) [البقرة:185].
- وأكدى سعياً وأبعد وصلاً من يبتلى بأوهام صنعة التصوف ومصطلحاتها الفلسفية عن مهيع الصحابة والزهادة السلفية.. فمن أنس بالنصب والأوثان بدعوى أهل الحلول والاتحادية فقد أتى بهرطقات لا يعرفها أهل الملل، وجارى فيها أهل السفسطة والتخيلية، فاحذر فيما تسلو به من جهنم، ولا يهيدنك دعاوى الأقطاب والأبدال، فإنهم أهل أن يستبدل الله بهم، لولا ما سبق من حكمه وحكمته في هذه البرية.
- واعلم أنك لا تكلف في هذه الشريعة إلا ما يسعه جهدك فلا تسلو بالتنقير والغوص على الدقائق عن الجليل المبلغ باليسير الموافق { ولن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه }.
ومن لطفه في بيان أسباب وصله:
أن حض على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيله، وأنها مدرج النبلاء الأعلام، وموجبة الرفق بين الأنام، فكيف تسلو.. بالجاه والناموس بين العوام عن هذه المكارم العظام.
- وليتك في هذه الجهة سلوت وكفيت نفسك موت عزة نفسك وأنفتها، فإن ما تألفه من تقبيل للأقدام والأيدي والنعال لا يلبِّث بك حتى تصير داجناً لا تأنس ببرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضلاً عن حمل السنان ومقارعة أهل الصلبان.
- فحنانيك قد نأيت وانتجعت بعيداً عن السبيل المؤدي، واتبعت سنة العاجز المكدي، وغفلت عن قول الله العلي ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )) [العنكبوت:69]..(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضٌِ )) [التوبة:38].
- فكن مريداً حراً لا عبداً، ولا تكن وقفاً أو إرثاً أو سقط متاع... فاعرف موضع الكريم من الوضيع بما يسره الله في كتابه وعلى لسان نبيه، وهذا يغنيك عن طلاسم الإشارات، وعنت فك العبارات، التي تقيد جنانك قبل بنانك، وانتفض من عقال الحماقة والصفاقة إلى شرف السياحة والنصاحة، قال صلى الله عليه وسلم: { سياحة أمتي الجهاد }. وقال: { الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولرسوله، ولكتابه، ولائمة المسلمين وعامتهم}.
واعلم أخا الزهادة والسياحة:
أن شرف الولاية ودليل المحبة في هذا السبيل هي عقدة الولاء والبراء، فالولاية لأهل الإيمان والتوحيد، والبراءة من أهل الصلبان والتثليث وإخوانهم اليهود والمجوس.. فاعقد عليها نفسك وإن ذهبت بك، تفز بالوصل يوم الفصل، وتلحق بالطائفة المنصورة المجاهدة الظاهرة على الحق.. يقول ساعدة بن جؤية:
وكأنما وافاك يوم لقيتها من وحش مكة عاقد متربب
ومن وصائل اللطيف الودود:
- ما يجده المحسنون من إلهام وصدق فراسة وخوارق رحمانية، فهي بريد رضا، ودليل اصطفاء، فكيف تسلو بالخوارق الشيطانية والخيالات الوهمية عن الكرامات الرحمانية.
- فهل بلغ بك الزهد في قدر نفسك والرضا من مروءتك بين أبناء حيك وملتك أن تضع صفقة يدك في يد مردة الجن وغوغائهم فيزيدونك رهقاً، ويطمسون مسحة الخير من طلعتك، فاقرع نفسك، وانظر إلى خسارتك من ربحك.
- وكيف تسلو بضغابيس الجن وصحبتهم عن صحبة الكرام البررة، أصحاب الرياض النضرة، النازلون بالخير والسكينة والبركة.. فاعلم أنهم عنهم بمعزل، فما تأتيه من شطحات وترهات وملابسةٍ للمستقذرات المعنوية والحسية ويحول ذلك بينك وبين خيرهم ودعائهم.
- هذا مع بخسك لعقلك وفطرتك، وما قد منَّ به ربك عليك من موافقة طبعك الذي يرفعك عند مليكك، لكن إخلادك إلى هوى نفسك وإدلالك على مثلك، وضعك وأسلمك لما أوهامك ورئيِّك من شياطين الجن والإنس، فوحي ومنامات، وكشف وإلهامات، يظهر زيفها يوم كشف المخبئات، والله الموعد.
فيا أخا السر:
حذار حذار من أوهام السلوان الحاجبة عن منازل الجنان، ومجاورة الحنان المنان، وقد سبق لك فيما سلف من منشور الولاية رسمُ، ومن طلاسم السلوان وسم، فاحذر وسم الغواية واتبع رسم الهدية (( وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ))[البقرة:213].
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى